كيف يصبح مواطناً من لا يملك وطناً..؟

"المتجاوزين كحالة إنسانية لا كورقة سياسية"

حيدر نواف المسعودي*

من المعلوم جداً أن الدار وطن ، ومن لا يملك داراً لا يملك وطناً، وليس له ولاء ولا انتماء ،فإحدى أسباب الارتباط العضوي بالوطن والأرض هو أن يكون لك داراً يؤويك وسقفاً يحميك أنت وأطفالك وعيالك ،داراً تحقق لك الأمن والاستقرار وتشعرك بالانتماء لذلك الوطن ،ولكن من لا يملك شبرا ًفي وطنه فأي رابط يمكن أن يربطه بذلك الوطن وتلك الأرض، وأين يمكن له أن يسكن هو وأولاده وأي بقعة تحتضن رفاته غداً، ولكن ما الذي يهم فهو أن لم يجد شبراً يؤويه فانه سيجد حتماً بقعه ارض ستضم رفاته بعد ضياع وتيه.
على أية حال نعود إلى موضوعنا فنقول أن إحدى ملامح هوية الإنسان هو امتلاكه لدار ،بل هي إحدى ملامح إنسانيته ،وهنا يتبادر إلى ذهني سؤال ،إن أكثر الحروب والصراعات بين الشعوب والدول والأمم كان احد أسبابها النزاع على الأرض وحدود تلك الأوطان والدول ومن اجل إثبات الملكية والسيادة، فالدفاع عن الأرض وعن الوطن يعتبر واجب مقدس لدى جميع الحضارات والثقافات على مختلف العصور ،ومن يموت في سبيل أرضه ووطنه يعتبر ولا يزال شهيداً ، وفي مجتمعنا العراقي فان كثير من الصراعات العشائرية كانت تقوم بسبب الدفاع عن الأرض وعن الدار والمثل يقول (الأرض عرض) والأرض تعني الدار والوطن ، و في عالم الحيوان تتقاتل الحيوانات حد الموت دفاعا عن أراضيها ومناطق سيادتها وديارها ،والسؤال هو عن ماذا يدافع من لا يملك داراً ولا وطنا ولا أرضا؟
إن من حقوق المواطنة أن يملك المواطن في وطنه أرضا يسكنها ويقيم عليها ، داراً تؤويه وعياله وهو حق يكفله الدستور والقوانين جميعها ،تماماً كحق العمل والسفر والتعبير عن الرأي وكحق الحياة و(شرب الماء واستنشاق الهواء) وغير ذلك من الحقوق الأخرى، وأظن انه ليس من المعقول أن مواطناً من جزر(ألواق واق) مثلاً لا يمتلك داراً في( الواق واق) أو انه يمتلك دارا في (عفك) مثلاً ويدعي انه مواطن (واق واقي).
وفي حد علمي أن الدساتير والقوانين التي وضعها البشر ليست نصوصاً مقدسة لا يمكن تغييرها ولا المساس بها ،وفي حد علمي أيضا أن القوانين إنما وضعت لتنظيم وترتيب حياة وعلاقات الإنسان مع كل ما يحيط به، وإنها لم توضع لتكون سيوفاً مسلطة على رقبة الإنسان لتذبحه وتذبح حقوقه وأمنياته وتطلعاته، وعلى ذلك فاعتقد أنه لابد من قانون يؤمن لكل عراقي أؤكد (عراقي) لأنه من أبناء العراق وينتمي لهذا الوطن لابد له من داراً تؤويه وتحقق له الأمن والاستقرار له ولأطفاله ،فليس من المعقول أن يسمى عراقياً من لا يملك شبراً في العراق ،وليس من المعقول حتماً أن يمتلك البعض قصوراً وفللا وعمارات وبساتين وصحاري في العراق وفي (ألواق واق) والبعض الأخر لا يملك شبراً يؤويه ، ويطارد يومياً من ارض إلى أخرى ويسمى متجاوزاً فهل يعقل أن يسمى من يقيم على ارض وطنه متجاوزاً فلو كان يقيم على ارض وطن أخر غير وطنه فماذا سيسمى؟
وليس من المعقول جدا أن لا يملك شبر في العراق من عاش أجداده وآبائه ارض وادي الرافدين منذ سبعة آلاف سنة وعمر وبنى وشيد المدن والحضارات وحرث وزرع هذه الأرض بكل الخيرات وشرب من دجلة وفرات هذا الوطن ، في حين يمتلك الأرض والسماء في هذا الوطن من تسلل في الظلمات إلى هذا الوطن وكل من لا يملك أصولا وانتماء إلى هذا الوطن وكل من انتسب زورا إلى العراق.
إني أدعو كافة السادة المتاجرين بقضية المتجاوزين والمتعاملين مع هذه القضية كورقة سياسية رابحة في كل موسم سياسي أو انتخابي أن يتعاملوا بإنسانية وجدية مع هذا الموضوع وان يجدوا الحلول الجذرية لهذه المشكلة ويوقفوا مأساة هؤلاء الناس وأطفالهم المستمرة والمتمثلة في حالة عدم استقرار والأمان والتهديد المستمر بالإخلاء والترحيل إنهم لايريدون أكثر من سقف يؤيهم وعيالهم وان يناموا ليلهم امنين غير خائفين من كوابيس البلدوزرات واليات الهدم التي ستداهمهم في أية لحظة، وغير خائفين من الغد وتهديداته بالإخلاء والتشريد ليصبح الدار والقبر بالنسبة إليهم شيئاً واحداً ، مكانا لوأد الحياة والأحلام ،ولينطبق عليهم المثل القائل (جبر من الصبر للقبر) واعتقد إن السلطة وأصحاب القرار ليسوا بعاجزين عن إيجاد حل لهذه المشكلة والعراق ولله الحمد يمتلك مساحات شاسعة تمتد في كبد الصحراء وهنا اقترح:ـ
1/جرد المتجاوزين بشكل موضوعي ومن قبل لجان مختصة ومنصفة ونزيهة لتحديد المستحقين ممن لا يملكون أراض للسكن أو دورا، ً فان شريحة المتجاوزين تضم الكثير من أصحاب النفوس الجشعة الذين يمتلكون السكن ولكنهم يطمعون في المزيد.
2/إعادة المتجاوزين النازحين من المحافظات الأخرى إلى محافظاتهم لكي لايسبب وجودهم زخماً على مدن معينة قد لا تستطيع توفير الأراضي السكنية لهم جميعاً ، مع ضرورة تمليكهم للأراضي في محافظاتهم إن كانوا لا يمتلكون سكنا ومستحقين.
3/بعد ذلك يصارالى تمليك المتجاوزين المقيمين ضمن المناطق والأماكن التي من الممكن تمليكها والموضوعة ضمن خرائط التخطيط العمراني كمناطق سكنية .
4/إعادة توزيع المتجاوزين المقيمين في مناطق الأملاك الخاصة ومناطق الأملاك العامة الغير قابلة للسكن في مناطق أخرى قابلة للتمليك.
5/يكون التمليك في الفقرتين (3)و(4) بأجور تحددها الدولة وتتقاضى على شكل أقساط شهرية أو تمليكها بأجور رمزية أسوة بتلك الأراضي التي توزعها الدولة على شرائح الموظفين وغيرهم.
6/ تقديم قروض وسلف لتمكين المتجاوزين غير القادرين على البناء من بناء دور بسيطة تؤويهم وعوائلهم.
7/ وان لم يكن بالمكان كل ذلك فإنني اقترح على الدولة إقامة مجمعات سكنية ذات كلف محدودة وتوزيعها على المتجاوزين بأجور رمزية ومقسطة بعد جرد المتجاوزين المستحقين.
واعتقد إن موضوع المتجاوزين الآن هو في ضمن حدود قابلة للسيطرة والحل ولكن إغفال هذا الموضوع وإهماله وتأجيله أو إبقاءه حالة معلقة ليستفيد منها الساسة والقوى السياسية في المواسم السياسية والانتخابية سيزيد هذه المشكلة اتساعاً وتعقيداً ويزيد من أثارها وعواقبها السلبية .
فلنا أن نتصور كيف سيكون رد فعل من يستمر في قضاء حياته هو وعياله مشردا مطاردا في الشوارع وفوق الأرصفة، وأي أجيال ستنشأ في أوساط مايسمى بالمتجاوزين.
وكيف يمكن أن تستغل هذه الشريحة من قبل الأعداء والمافيات والإرهابيين وعصابات الفساد والانحراف ، بعد أن تغذي وتنمي لديها مشاعر العداء والحقد والانتقام ضد البلد والسلطة والآخرين بسبب عدم امتلاكهم لدار وسكن وأمان واستقرار، وهي مشكلة خطرة جدا إن لم تحل بشكل علمي مدروس وجاد، وإلا فان عواقبها وخيمة وكنموذج نذكر مشكلة ما يسمى بالمناطق العشوائية والتي تجاوزت الألف منطقة عشوائية في القاهرة والتي أصبحت مناطق وبؤر للجريمة والقتل والفساد وتجارة المخدرات وإنتاج الإرهاب .